كتب أنتوني لوينشتاين أن الغطرسة لطالما كانت سمة جوهرية في صناعة السلاح الإسرائيلية، إذ بنت تل أبيب نفوذها على بيع الأسلحة والتقنيات العسكرية إلى أكثر من 140 دولة حول العالم، بعدما جرّبتها أولًا على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومع أنّ هذا النموذج القائم على "الاحتلال كمعمل اختبار" منح إسرائيل سمعة تكنولوجية واسعة، إلا أن تلك السمعة بدأت تتصدّع للمرة الأولى منذ عقود.

ونقل موقع ميدل إيست آي أنّ إسرائيل استخدمت حربها في غزة كمنصّة عرض مثالية لطائراتها المسيّرة وأنظمة الذكاء الاصطناعي القتالية واستراتيجيات التدمير الجماعي التي شملت تسوية أحياء بأكملها بالأرض. لكن بعد مرور عامين على هجوم 7 أكتوبر 2023، بدأت بوادر خوف حقيقي تتسلّل إلى هذه الصناعة التي طالما رأت نفسها منيعة.

في إسبانيا، أعلن مسؤولون عن إلغاء صفقات تسليح احتجاجًا على الإبادة الجماعية في غزة. وقال مصدر في قطاع الدفاع الإسرائيلي لموقع «كالكاليست» المحلي: "سيعودون إلينا زحفًا بعد الحرب، لأنهم يحتاجون أسلحتنا أكثر مما نحتاجهم". إلا أن هذا التفاخر يخفي قلقًا متزايدًا من أن الأسواق الأوروبية الكبرى قد تغيّر بوصلتها خلال السنوات المقبلة.
 

تراجع الصورة العالمية

رغم استمرار بعض الدول الغربية في شراء الأسلحة الإسرائيلية، إلا أن الصورة العامة لإسرائيل كدولة منبوذة أصبحت أكثر رسوخًا في الوعي العالمي بعد تدفق صور القتل والدمار وأدلة الجرائم التي وثقتها الأمم المتحدة. ويشير أحد التنفيذيين في الصناعة إلى أنّ "التفوّق التكنولوجي الإسرائيلي لا يزال قائمًا، لكن كثيرًا من العملاء ينتظرون انتهاء الحرب وانحسار الضوء الإعلامي قبل استئناف التعامل".

ويحذر آخرون من أنّ استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى تراجع الصادرات بحلول عام 2026، مع انعكاسات اقتصادية حادة في العام التالي. أما إذا أوقفت تل أبيب "تهوّرها"، كما وصفه المصدر، فقد تُنقذ سمعتها قبل أن تنهار بالكامل.
 

صناعة بلا أخلاق

البيانات الرسمية تشير إلى أن صادرات السلاح الإسرائيلية بلغت نحو 15 مليار دولار في عام 2024، وهو رقم قياسي يعكس جشعًا دوليًا لا يعبأ بالدم الفلسطيني. مجلة «الإيكونوميست» رأت في تقريرها الأخير أن هذه الصادرات جعلت إسرائيل "محصّنة ضد العقوبات"، لأن أوروبا تعتمد عليها في مواجهة روسيا. لكن لوينشتاين يردّ بأن هذه الحقيقة لا تلغي الانهيار الأخلاقي والسياسي الذي يواجهه الاحتلال.

تواصل دول كالهند وبعض الأنظمة العربية شراء الأسلحة الإسرائيلية رغم كل شيء، إذ لا يمكن لقطاع الدفاع العالمي أن يتبنّى ضميرًا بين ليلة وضحاها. ومع ذلك، تتغير الرياح. فالرأي العام في الغرب يشهد تحوّلًا غير مسبوق ضد إسرائيل وحكومة نتنياهو، حتى بين اليهود الأميركيين الذين كانوا من أشد المدافعين عنها.
 

تآكل الشرعية

يكتب لوينشتاين أنّ المجتمع الإسرائيلي يعيش حالة إنكار، بينما تنهار الأسس التي بُنيت عليها الدولة: الشرعية الدولية، والعلاقات الاقتصادية والدبلوماسية، والتماسك الداخلي. وينقل عن الصحفي الإسرائيلي نير حسون من صحيفة هآرتس قوله إن ما يحدث في غزة دمّر كل ما كانت إسرائيل تتباهى به من استقرار.

يرى الكاتب أنّ إسرائيل طالما سعت إلى اعتراف العالم بها ككيان شرعي، لكنها الآن تواجه عجزًا في الشرعية لا يعوّضه أي إنفاق على الدعاية. ويذكّر بأن "مختبر فلسطين"، كما يسميه، استمر لعقود لأن كثيرًا من الحكومات في العالم استخدمت الأسلحة الإسرائيلية لقمع شعوبها، من دون أن تكترث بثمنها الإنساني.
 

هل تقترب النهاية؟

يطرح لوينشتاين سؤالًا مفتوحًا: هل يمكن أن تؤدي الإبادة الجماعية في غزة إلى انهيار صناعة السلاح الإسرائيلية؟ يجيب بحذر: "ربما، لكنني ما زلت متشككًا". فالعالم لا يزال مليئًا بأنظمة استبدادية وديمقراطيات زائفة لا تعبأ بحقوق الإنسان، وتبحث عن أدوات مراقبة وقتل جديدة، ما يجعل الطلب على التكنولوجيا الإسرائيلية قائمًا رغم كل الفضائح.

ومع ذلك، يعترف بعض الذين يعيشون في القطاع بأنهم يعيشون لحظة حصار. قال أحدهم لموقع كالكاليست: "وضعنا صعب، حتى حلفاؤنا يشعرون بأنهم يُسحبون معنا إلى القاع. من يريد أن يكون صديق دولة منبوذة؟ إسرائيل لا يمكنها أن تعيش مثل إسبرطة إلى الأبد."

ختامًا، يؤكد الكاتب أنّ ما تفعله إسرائيل اليوم في غزة لا يهدد فقط مستقبل الفلسطينيين، بل يهدد وجودها الأخلاقي والسياسي ذاته. فصناعة السلاح التي تغذّت على معاناة الآخرين قد تجد نفسها قريبًا تلتهم ذاتها، إذا استمر العالم في فتح عينيه على حقيقة ما يجري.

https://www.middleeasteye.net/opinion/gaza-genocide-could-be-downfall-israels-arms-industry